بسم الله الرحمان الرحيم.
الألفبـاء مجموعةٌ من الحروف يُستعان بها في كتابة اللغة. ويبلغ عدد حروف اللغة العربية 28حرفًا، وتُبدأ حروف الهجاء عند معظم الأمم بحرفين قريبي الشبه من حرفي (أ) و (ب) عند نطقهما. لذا، أُطلق عليها الألفباء، ما عدا الحبشية التي يأتي فيها حرف الألف في المرتبة الثالثة عشرة.
ربما كان الناس قديمًا يتفاهمون بعضهم مع بعض من خلال الكلام أو بالإشارات. ولم يكن لديهم الأسلوب الذي يسجِّلون به الأحداث المهمَّة سوى الذاكرة التي قد تحتفظ بقصة معركة حاسمة أو حدث مهم. ولم يكن لهم من وسيلة لنقل الرسائل لمسافات بعيدة سوى تناقلها من شخص إلى آخر شفاهةً، أو أن يحفظها شخص واحد، ثم يقوم بنقلها إلى المرسل إليه.
الكتابة في مراحلها الأولى:
بدأت أولى مراحل الكتابة عندما شرع الإنسان في رسم الصور للتعبير عن أفكاره. وهذا الطور أٌطلق عليه "الترميز التصويريّ" حيث كانت كل صورة تعبِّر عن فكرة. وقد مكَّنت هذه الطريقة من الاتصال بين الشعوب التي تتحدث بلغاتٍ مختلفة. تلا هذه المرحلة "الطور الرمزي الكلمي" حيث صار الشخص يعبِّر عن أفكاره بطريقةٍ غير مباشرة، باستخدام علامات تُمثِّل كلمات الفكرة التي يريد نقلها، فبدلاً من أن يرسم صورة تحتوي على خمس شياه للتعبير عن قطيع يتكوَّن من خمسة حيوانات، كان الشخص يقوم برسم علامة تُمثل العدد خمسة وعلامة واحدة تُمثِّل الشاة. ثم انتقلت الكتابة إلى الطَّور الثالث وهو "الطَّور المقْطعيّ". ويُعدُّ هذا الطور البداية الحقيقية في تهجئة الكلمات وانفصالها عن الصورة. فقد أصبحت الصورة في هذا الطور تعني مقطعًا صوتيًا وليس الصورة ذاتها. فإذا أراد الشخص أن يعبِّر عن المقطع الأول من كلمة يدفع فإنه كان يرسم صورة كفٍّ لتعني الصوت وليس الصورة. ثم دخلت الكتابة طورها الرابع وهو "طور تحرير الكلمات صوتيًا" الذي استخدم فيه الكاتب صور الأشياء التي يتكوَّن منها الصوت الأول ثم الثاني.. إلخ. ثم جاء الطور الأخير وهو "الطَّور الهجائي". وأقدم ضروب الهجاء فيما بلغه علم البشر الهيروغليفية التي استخدمها المصريُّون القدماء والمايانيون والأزتكيون، وفيها يُمثِّل أيُّ رمزٍ من الرموز ـ وهو عادة صورة شخص أو حيوان أو شيء ـ كلمةً أو مقطعًا أو صوتًا.
نُظُم الألفباء الأولى:
قدماء المصريين: استخدموا نظامًا يتكون من مئات من العلامات، تمثل كلماتٍ كاملة أو مقاطع. وكانت الكتابة المصرية التي استخدمت قبل عام 3000 ق.م، عبارة عن كتابة صورية. أما من الناحية البنائية، فقد كانت الكتابة عبارة عن كتابة كَلِمية أو مقطعية.
الساميون: ألموا بشيء من نظام الكتابة المصريّ، ثم اخترعوا نوعًا من الكتابة الألفبائية حوالي عام 1500ق.م. وقد استخدم الساميون علاماتٍ للدلالة على صوامت المقاطع، تمامًا كما فعل المصريون. ويبدو أنهم قد أخذوا بعض صور الكتابة الهيروغليفية وعدَّلوا فيها، لكنهم استخدموا هذه الصور لترمز للأصوات الموجودة في لغتهم، وقد عُثِر على أقدم نصٍّ يحتوي على الألفباء في شبه جزيرة سيناء.
تطور الألفبائية الإنجليزية:
الفينيقيون: ابتكروا نظامًا يتكون من 22 علامة، وذلك حوالي عام 1000ق.م. وكانت هذه العلامات تمثِّل الأصوات الصَّامته فقط وليس الصَّائتة. انظر: الصامت؛ الصائت. ويبدو أنَّ هناك علاقةً بين أشكال الألفباء السامية والفينيقية، إلا أنَّ المؤرخين يواجهون صعوبة في تتبع هذه العلاقات الموجودة بينهما؛ نظرًا لأنَّ اللغة الفينيقية بها كل علامات الكتابة بالصور والخطوط، وكذلك لندرة ما يُعْرف عن الأنظمة الكتابية الأولى التي كانت تستخدم في كلٍّ من سوريا وفلسطين. ومن العلماء من يعتقد أنَّ الكنعانيين سبقوا الفينيقيين إلى هذا الابتكار وأنَّ الألفباء الفينيقية هي ابنة الكنعانية.
القبارصة: طوَّروا نظامًا ألفبائيًا خاصًا بهم مكونًا من 56 علامة، وحروفه مأخوذة من نظام كلميٍّ مقطعيّ غير معروف. كانت كل علامة في هذا النظام تمثل صامتًا أوليًّا وصائتًا مختلفًا. وكانت الخطوة التالية هي اختراع علامات مختلفة تمثل الصوامت والصوائت.
الإغريق: كانوا على اتصال بالتجَّار الفينيقيين. فأخذوا عنهم فكرة كتابة الأصوات المفردة للغة. وقد استعاروا الرموز الفينيقية في الفترة التي سبقت سنة 800 ق.م، وقاموا بإدخال تعديلات عليها، ليكوِّنوا الألفباء الإغريقية. ولما كانت الألفباء الفينيقية تحتوي على صوامت أكثر مما يحتاج إليه الإغريق في لغتهم، فقد استخدموا ما تبقَّى منها لتمثِّل الأصوات الصائتة. وقد أخذوا أسماء الألفباء الفينيقية لعلاماتهم، بل إنهم أخذوا العلامات نفسها في كثير من الحالات. وقد قاموا في وقت لاحق بتعديل أشكال هذه الحروف بالحذف أو الإضافة لتشكل الأساس للحروف الأربعة والعشرين التي تمثل الألفباء اليونانية الحالية.
تطور الألفبائية العربية:
الألفباء العربية: تختلف الروايات التي تناولت بداية وضع الخطّ العربيّ. فمن هذه الروايات ما يرى أنه وُضِع متأثرًا بهجاء السِّريانيّة، ومنها ما يقول إنه اقْتُطع من الخط المسْند الحِمْيَري، ومنها ما يعود به إلى الفينيقيِّين. على أنَّ الدراسات المقارنة رجَّحت أنَّ الخط العربيّ القديم قد اشتُقَّ من الخط النبطيّ، وترى هذه الدراسات أنَّ الخط العربيّ ربما كان آخر طورٍ من الخط النبطي،ّ قبل أن ينتقل إلى الحجاز في نهاية القرن السادس الميلادي. ثم كانت طفرة الخط العربي بظهور الإسلام واندفاع المسلمين لتعلُّم القراءة والكتابة لحفظ القرآن والحديث وتدوينهما ولكتابة الرسائل أيضًا. ثم تطوَّر رسم الحرف إلى ما هو عليه الآن. وقد انقسم شكل رسم الحروف إلى أشكالٍ فنية سُمِّيت الخطوط، منها: الكوفي، والنسخ، والثلث، والفارسي، والرقعة، والديواني. انظر:الخط العربي.
وقد جاء ترتيب حروف العربية ترتيبًا ألفبائيًا، كما هو معروف الآن، على يد نصر بن عاصم الليثي. أما قبل ذلك، فقد كان ترتيبها أبجديًا، أي أبجد هوَّز حطِّي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ. انظر: الأبجدية.
الألفباء العبرية: تتألَّف من 22 صامتًا، وقد طُوِّر نظام ـ حوالي عام 700 م ـ باستخدام نقاط وشرطات لتشير إلى الصوائت. وما زالت هذه الإشارات تُستعمل إلى الآن، ولكنها مقتصرة على كتب المدارس وكتب الصلاة.
الألفباء السنسكريتية: وتعرف بالديفانجرية، وهي أقدم أشكال الكتابة في الهند، وقد تم تطويرها في الألفباء الجوبتيـة، وهي فرعٌ من البراهمــية: ومن الممكن أن لها أصولاً آرامية. وتكتب الألفباء السنسكريتية من اليسار إلى اليمين، وتتألف من 34 صامتًا و 14 صائتًا.
الألفباء السيريلية: تَطوَّرت في القرن العاشر الميلادي من الألفباء الجلاجوليثيكية التي طوَّرها المنصران سيريل وميثوديوس. وهذه مستعملةٌ اليوم في كلٍّ من بلغاريا وصربيا.
ويجب الإشارة إلى أنَّ اللغتين الصينية واليابانية هما اللغتان الكبيرتان بدون ألفباء؛ إذ تتألفان من عددٍ لا يُحصى من الأشكال التي تمثل كلمات.