علم الفلك

بسم الله الرحمان الرحيم.
علم الفلك يعنى بدراسة النجوم والكواكب والأجسام الأخرى التي يتكون منها الكون. ويرصد الفلكيون مواقع وحركات الأجرام السماوية. ولا ينحصر اهتمام الفلكيين في رصد هذه الأجسام فحسب، بل يتلمس أغلبهم الإجابة عن أسئلة مثل: مم تتكون النجوم؟ وكيف تنتج ضوءها؟. ولهذا السبب عدّ معظمهم فيزيائيين فلكيين،أي يدرسون العمليات الفيزيائية والكيميائية التي تحدث في الكون.

ويتخصص بعض الفلكيين، الذين يسمون الراصدين الفلكيين، في مراقبة الأجرام السماوية بوساطة التلسكوبات. والبعض الآخر فلكيون نظريون، يستخدمون مبادئ الفيزياء والرياضيات لاستنباط طبيعة الكون. ففلكيو النجوم مثلاً يدرسون النجوم، وفلكيو الشمس يدرسون الشمس ـ أقرب نجم إلى الأرض ـ وفلكيو الكواكب يدرسون الظروف السائدة على الكواكب، وعلماء الكون يدرسون تركيب الكون وتاريخه إجمالاً.
وعلم الفلك ـ خلاف معظم العلوم الأخرى ـ مجال يستطيع فيه الهواة أن يضيفوا إضافات مهمة. فهواة الفلك يؤدون دورًا مهمًا في دراسة "النجوم المتغيرة"،أي النجوم التي يتغير لمعانها مع الزمن. وتمدنا دراسة هذه النجوم بمعلومات عن المسافات في الكون. ولكن أعداد النجوم المتغيرة تفوق ما يستطيع الفلكيون مراقبته باستمرار. ويقوم أعضاء جماعات الهواة برصد هذه النجوم، بينما يقوم أعضاء جماعات أخرى بالعمل معًا لاكتشاف نجوم تلمع فجأة. ويدعى مثل هذا النجم "المستع" أو "المستعر فائق التوهج". كما يقوم الفلكيون الهواة برصد القمر والكواكب والمجرات وتصويرها، وكذلك الكسوف والخسوف وظواهر فلكية أخرى.
وعلم الفلك أحد أقدم العلوم. فقد بدأ في الأزمنة القديمة بملاحظات حول حركة الأجرام السماوية في دورات منتظمة. وخلال التاريخ أفادت دراسة هذه الدورات في أغراض تطبيقية مثل ضبط الزمن، وتحديد بدايات الفصول، ودقة الملاحة في البحار .
وفي حوالي عام 200ق.م رسم البابليون خرائط لمواقع الأجرام السماوية وذلك بغرض التنبؤ بالأحداث على الأرض. ويسمى استنباط مثل هذه التنبوءات بالتنجيم، ويرتكز على الاعتقاد بأن مواقع النجوم والكواكب تؤثر في مجريات الأحداث على الأرض. وقد مارس قدماء المصريين والإغريق والرومان والعرب التنجيم واعتقد فيه أيضًا بعض الفلكيين، ورفضه الفلكيون المسلمون منذ القرن الثامن الميلادي. وفي القرن الثامن عشر الميلادي أصبح معظم العلماء الآخرين على قناعة برفض التنجيم. ويعتبره العلماء حاليًا علمًا زائفًا. فهم يفسرون الأحداث على الأرض أو في الفضاء بقوانين الفيزياء والكيمياء التي لا تسمح بأي اعتقادات في التنجيم. وأكثر من ذلك لا يكتفي الكثير من العلماء برفض التنجيم فقط، بل يقاومونه باعتباره خرافة تعمل على إبطاء تقدم العلم.
 نبذة تاريخية :
تعلّق الناس دومًا بالسماء. ففي أوائل القرن الرابع عشر ق.م رسم الصينيون القدماء خرائط للنجوم وسجلوا كسوف الشمس وخسوف القمر. وتمكن البابليون في عام 700ق.م تقريبًا من استنباط أوقات تكون فيها الكواكب أقل اقترابًا، وأقصى ابتعادًا عن الشمس. كما استنبطوا أيضًا متى يمكن رؤية الأجرام السماوية المختلفة لأول مرة أو آخر مرة في العام. وحدد قدماء المصريين بداية الربيع بملاحظة موقع الشِّعْرَى اليمانية، ألمع نجوم السماء. كما استخدموا معلوماتهم الفلكية في بناء معابد ذات حوائط متجهة إلى أجرام سماوية بعينها.
وقد ترك الصينيون والبابليون والمصريون سجلات مكتوبة عن أرصادهم الفلكية ذات الأهمية الكبيرة لباحثي العصر الحديث. كما يدرس الباحثون حديثًا نوع العمارة السائد في العصور القديمة لاستنباط عمق ثقافتهم الفلكية. وتربط هذه الدراسات علم الآثار بعلم الفلك فيما يعرف بعلم الآثار الفلكي أو علم الفلك الأثري. مثال ذلك بحث يقترح أن أحجار ستونهينج، أقدم الأحجار الأثرية في جنوب إنجلترا، قد استخدمت لتعيين مواقع الشمس والقمر. وتشير دراسات أخرى إلى أن هنود أمريكا قد تتبعوا الشمس والنجوم قبل وصول الأوربيين بوقت طويل. فقد اكتشف الدارسون أن حلقات الحجارة التي أقامتها القبائل الهندية الأولى، لها أعمدة من الحجارة تشير إلى مكان شروق الشمس وغروبها في أطول نهار من العام. وتعرف إحدى تلك الحلقات في ويومينج باسم حلقة بيج هورن مديسين التي يرجع تاريخها إلى حوالي عام 1400م.
فلك الإغريق. بدءًا من عام 600ق.م تقريبًا طور علماء الإغريق وفلاسفتهم عددًا من الأفكار الفلكية. فاعتقد فيثاغورث ـ الذي عاش في القرن السادس ق.م ـ أن الأرض كروية الشكل، وحاول أيضًا شرح طبيعة الكون وتركيبه ككل، وبذلك طور نظامًا كونياً في وقت مبكر. وفي نحو عام 370ق.م صمم يودوكسوس أوف كنيدوس نظامًا ميكانيكيًّا لشرح حركات الكواكب. ونادى يودوكسوس بأن الكواكب والشمس والقمر والنجوم تدور حول الأرض. وفي القرن الرابع قبل الميلاد أدخل أرسطو هذه النظرية الهندسية، نظرية مركزية الأرض، في نظامه الفلسفي.
كذلك اقترح هيراقليدس أوف بونتس، خلال القرن الرابع ق.م الميلاد، أن الحركة الظاهرية للأجرام السماوية ناحية الغرب راجعة في الحقيقة إلى دوران الأرض حول محورها في اتجاه الشرق. كما اعتقد أن عطارد والزهرة يدوران حول الشمس وليس حول الأرض. وخلال القرن الثالث قبل الميلاد ذهب أريستاركوس أوف ساموس لأبعد من ذلك فاقترح دوران الكواكب بما فيها الأرض حول الشمس ودوران الأرض حول محورها. وكان كل من هيراقليدس وأريستاركوس سابقين زمانهما ومع ذلك لم تستطع أفكارهما أن تحل محل نظرية مركزية الأرض.
وفي حوالي عام 125ق.م قسم فلكي إغريقي يدعى هيبارخوس النجوم التي أمكنه رؤيتها إلى أنواع من التوهج. ونظام الأقدار الذي يستخدمه الفلكيون حاليًا صورة مطورة من هذا المقياس القديم. ويعرف هيبارخوس في التراث العربي والإسلامي باسم أبو خس.

نظرية مركزية الأرض
نظرية مركزية الأرض التي وضعها الفلكي الإغريقي بطليموس سادت علم الفلك حتى القرن السادس عشر الميلادي. وهذا الشكل للكون ومركزه الأرض مأخوذ من كتاب نشر عام 1524م.
نظام بطليموس. خلال القرن الثاني الميلادي، طور الفلكي الإغريقي كلاوديوس بطليموس الذي عاش في الإسكندرية بمصر نظريات أرسطو وهيبارخوس. وضمَّن بطليموس كتابه المجسطي أفكاره وملخص أفكار الفلكيين الإغريقيين وخصوصًا هيبارخوس. ويعد المجسطي المصدر الرئيسي لمعارفنا عن الفلك الإغريقي. وقد انتقد أبو محمد جابر بن الأفلح هذا الكتاب في كتابه المعروف بكتاب إصلاح المجسطي، ودعم انتقاده هذا عالم آخر أندلسي هو نور الدين أبو إسحق الأشبيلي في كتابه الهيئة.
ظلت نظرية بطليموس عن مركزية الأرض سائدة لنحو 1500 عام. وتقبل الفلكيون جزءًا من أفكاره وجداوله التي وضعها للكواكب مسبقًا. وخلال معظم هذه الفترة أولى الأوربيون قليلاً من الاهتمام بعلم الفلك. هذا في الوقت الذي واصل فيه الفلكيون العرب رصد السماء وتنقيح ما جاء في كتابات بطليموس والمحافظة عليها. وأخيرًا ظهرت ترجمة المجسطي باللاتينية في القرن الثاني عشر فقدمت أفكار بطليموس إلى أوروبا.
الأسطرلاب
الأسطرلاب. نقل العرب مؤلفات الأمم السابقة وصححوا أخطاءها وزادوا عليها، ولم يقفوا عند حد النظريات، بل خرجوا إلى العمليات والرصد ومن أبرز آثارهم الأسطرلاب.

العرب وعلم الفلك. لم يعرف العرب قبل العصر العباسي الكثير عن الفلك (علم الهيئة). وأول من عني بالفلك هو أبو جعفر المنصور الذي أمر بترجمة كتاب السند هند الكبير الذي اختصره الخوارزمي. وبعد أن نقل العرب المؤلفات الفلكية للأمم التي سبقتهم صححوا أخطاءها وزادوا عليها، ولم يقفوا عند حد النظريات، بل خرجوا إلى العمليات والرصد؛ ومن أبرز مآثرهم 1- قياس زاوية الكسوف والخسوف 2- تقدير حجم الأرض 3- دراسة ظاهرة الانقلابين والاعتدالين 4- تطوير أدوات الرصد 5- تصحيح طول السنة الشمسية الذي حدده البتاني بـ 365 يومًا و5 ساعات و46 دقيقة و32 ثانية 6- اختراع البندول الخطّار على يد كمال الدين بن يونس المصري 7- إثبات كروية الأرض ودورانها حول محورها، وقام بذلك أبو الريحان البيروني 8- عمل الأزياج (الجداول الفلكية) والأسطرلاب 9- ضبط حركة أوج الشمس وتداخل فلكها في أفلاك أخرى 10- اكتشاف بعض أنواع الخلل في حركة القمر؛ ويرجع ذلك إلى أبي الوفاء البوزجاني 11- وضع جداول دقيقة لبعض النجوم الثوابت. فقد وضع الصوفي كتابًا فيها وعمل لها الخرائط التي رسم عليها أكثر من 1,000 نجم ورسمها كوكبات في شكل أشخاص أو حيوانات 12- جعل علم الفلك استقرائيًا.
ومعظم أسماء النجوم المعروفة حاليًا هي من وضع العرب، ولازالت تستعمل بلفظها العربي في اللغات الأخرى. وأنشأ المسلمون مراصد لتساعدهم على تقصي مواقع النجوم ودراستها. وكان المأمون أول من أشار إلى استخدام الآلات في الرصد. وأشهر المراصد التي بنيت قديمًا وأكبرها مرصد مراغة الذي عرفت أرصاده بالدقة مما جعل علماء أوروبا في عصر النهضة ومابعده يعتمدون عليها في بحوثهم الفلكية. ومن الآلات التي اخترعها العرب واستخدموها في الرصد: اللبنة، والحلقة الاعتدالية، وذات السمت والارتفاع، وذات الأوتار، والآلة الشاملة، والرقاص والأسطرلاب والمشتبهة بالناطق..

بداية علم الفلك الحديث. جاءت الطفرة في فهم الكون عام 1543م مع نشر كتاب حول دوران الكرة السماوية للفلكي البولندي نيكولاس كوبرنيكوس. اختلفت الأفكار التي قدمها كوبرنيكوس في كتابه كثيرًا عن النظرية التقليدية لبطليموس لدرجة جعلت المؤرخين العلميين يتحدثون عما أسموه ثورة كوبرنيكوس.
اقترح كوبرنيكوس أن تكون الشمس في وسط الكون، والأرض وبقية الكواكب تدور حولها. وقد استطاعت نظرية مركزية الشمس تفسير الحركات المرصودة للكواكب، في الوقت الذي تتطلب فيه نظرية بطليموس لمركزية الأرض نظامًا معقدًا لتفسير وجود إزاحة تقهقرية للكواكب أحيانًا بالنسبة للنجوم. وقد علل كوبرنيكوس هذه الحركة بأنها ليست راجعة إلى حركة حقيقية للكواكب، وأن الكواكب تظهر متحركة على هذا النحو بسبب حركة الأرض ذاتها حول الشمس. وبالرغم من ذلك لم يستطع نظام كوبرنيكوس إعطاء تحديد مسبق دقيق لمواقع الكواكب.
وفي أواخر القرن السادس عشر الميلادي قام فلكي دنماركي يدعى تيخو براهي برصد حركات الكواكب بدقة أكثر مما تم من قبل. وأظهرت أرصاده، وخصوصًا لكوكب المريخ، عدم دقة جداول مواقع الكواكب المستخدمة في ذلك الوقت. وبوفاة تيخو براهي عام 1601م عكف مساعده يوهانز كيبلر على تحليل أرصاده.
ومن أرصاد براهي اكتشف كبلر أن الكواكب تدور حول الشمس في قطاعات ناقصة (إهليلجية). وحتى هذا الوقت كان الجميع حتى مؤيدي نظرية مركزية الشمس يفترضون وجود مسارات دائرية. وبالإضافة إلى ذلك اكتشف كبلر مبدأين آخرين يتحكمان في سرعة الكوكب في مداره. وقد حسنت اكتشافات كبلر دقة حسابات مواقع الكواكب، وبالتالي أتاحت التأييد لنظرية كوبرنيكوس. ويؤكد الدكتور سارطون أن بحوث المسلمين في الفلك هي التي أوحت لكبلر أن يكتشف الحكم الأول من أحكامه الثلاثة الشهيرة وهي إهليلجية فلك السيارات.
جاليليو ونيوتن. كان الإيطالي جاليليو، في أوائل القرن السابع عشر الميلادي، أول من استخدم تلسكوبًا لرصد السماء. وقد ساعدت أرصاد جاليليو في تأكيد نظرية كوبرنيكوس. فقد اكتشف أربعة أقمار تدور حول المشتري وهي معروفة بالأقمار الجاليلية. واتضح من ذلك، على عكس نظريات أرسطو وبطليموس، أن الأجسام لا تدور كلها حول الأرض.
وفي عام 1642م، أي بعد وفاة جاليليو بعام تقريبًا، ولد إسحاق نيوتن في إنجلترا. وصار نيوتن أشهر علماء عصره. فقد اكتشف قانون الجاذبية وأوضح تفسيرها لحركات الكواكب والمذنبات والأجسام الثقيلة على الأرض. وطبقًا لهذا القانون، يجذب كل جسم في الكون أي جسم آخر. وتعتمد قوة الجذب بين أي جسمين على كتلتيهما والمسافة بينهما. كما اكتشف نيوتن أيضًا أن الضوء المرئي يمكن تحليله إلى طيف، فكان ذلك أساسًا للتحليل الطيفي.
تفسير نشأة المجموعة الشمسية. بوفاة نيوتن عام 1727م، كان معظم العلماء والفلاسفة قد اتفقوا على أن الشمس مركز الكون. وبدأوا بعد ذلك في تطوير نظريات لشرح أصل المجموعة الشمسية. ففي عام 1755م اقترح إيمانويل كانط، أحد الفلاسفة الألمان أن الكواكب والشمس تكونتا بالطريقة نفسها. وفي عام 1796م افترض الرياضي الفرنسي بيير سيمون دي لابلاس أن تكون الشمس والكواكب قد تكونتا من سحابة غازية دوارة سماها سديما. ولكن فرضية السديم هذه لم تنل الاهتمام إلا فيما بعد، إذ أخذ الفلكيون حديثًا يتقبلون نظريات ترجع إلى أفكار كانط ولابلاس. فمن المعتقد أن الشمس والكواكب قد تكثفتا ممايطلق عليه السديم الشمسي الأوَّلي. وحسب هذه النظرية انكمش السديم وكوَّن الشمس وكثيرًا من الأجسام الصغيرة التي تسمى مواد كوكبية، ثم اتحدت تلك المواد في تسعة كواكب.
اكتشاف كواكب جديدة. حتى القرن الثامن عشر الميلادي كان الفلكيون على علم بوجود ستة كواكب هي عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشتري وزحل. وفي عام 1781م اكتشف الفلكي البريطاني وليم هيرشيل الكوكب أورانوس. وخلال الـ 172 عامًا السابقة كان الفلكيون يرون أورانوس أحيانًا إلا أنهم لم يلاحظوا حركته، وبالتالي اعتبروه نجمًا.
وبعد اكتشاف أورانوس وجد الفلكيون أن مسار الكوكب في الفضاء قد اختلف عما تم استنباطه من قبل؛ فظهر بذلك أن جاذبية كوكب غير معروف تؤثر في مسار أورانوس. وقد تنبأ كل من الفلكي البريطاني جون آدمز والفلكي الفرنسي أربان ليفرير بموقع الكوكب. وعلى أساس تلك التوقعات اكتشف الفلكي الألماني يوهان غاله ومساعده هينريتش دارست كوكب نِبْتُون عام 1846م.
وكان اكتشاف بلوتو تتويجًا لبحث طويل عن كوكب غير معروف يعمل على تغيير مساري نبتون وأورانوس. وأخيرًا في عام 1930م تعرف فلكي أمريكي هو كلايد تومباف على الكوكب بلوتو الذي ظهر على هيئة صورة خافتة على ألواحه الفوتوغرافية. وكانت حركته البطيئة بالنسبة لخلفية النجوم خير عون على هذا الاكتشاف.
تطوير التحاليل الطيفية. خلال القرن الثامن عشر الميلادي بدأ العلماء في دراسة أهمية الطيف الذي اكتشفه نيوتن في القرن السابع عشر الميلادي. وخلال الأعوام الأولى من القرن التاسع عشر الميلادي درس فيزيائيان هما البريطاني وليم وولاستون، والألماني جوزيف فون فراونهوفر ضوء الشمس الموزع على شكل قوس قزح. وبعدما لاحظ وولاستون وجود قليل من الفراغات في بعض الألوان، اكتشف فراونهوفر عدة فراغات تبدو كخطوط داكنة خلال الطيف. وقد سميت هذه الفراغات الخطوط الطيفية.
وخلال خمسينيات القرن التاسع عشر الميلادي صمم ألمانيان هما الكيميائي روبرت بنْسن، والفيزيائي جوستاف كيرتشوف معًا أول مطياف لدراسة تفاصيل الطيف. واكتشفا أن ذرات كل عنصر كيميائي ينتج عنها مجموعة محددة من الخطوط الطيفية. وقد مكنت هذه المعلومات من تمييز العناصر التي يتكون منها النجم بدراسة الخطوط الطيفية في ضوئه.

ضوء النجم ونظرية النسبية العامة

ضوء النجم ونظرية النسبية العامة كما تقضي نظرية النسبية العامة، يعمل وجود جسم كبير الكتلة على تغيير شكل الفضاء المحيط به. فالشمس مثلاً تزيغ الفضاء بطريقة تجعل الضوء المار بالقرب منها ينحني، ولذلك فإن المكان الظاهري للنجم كما يرى من الأرض يختلف عن مكانه الحقيقي.نظرية جديدة للكون.
 تبلورت هذه النظرية أساسًا في بداية القرن العشرين الميلادي، من خلال أعمال الفيزيائي الألماني المولد ألبرت أينشتاين. ففي عام 1905م قدم أينشتاين نظريته المسماة نظرية النسبية الخاصة، وتبعاً لهذه النظرية لا يستطيع أي شيء أن يسير بسرعة تتجاوز سرعة الضوء. ومن تلك النظرية جاءت فكرة تكافؤ الكتلة والطاقة، مع إمكان تحول إحداهما إلى الأخرى. وخلال الثلاثينيات من القرن العشرين اكتشف الفلكيون أن النجوم تحصل على طاقاتها من تحويل المادة إلى طاقة كما تصف معادلة أينشتاين. ط = ك ث² حيث ط تعني طاقة وك الكتلة، وث² مربع سرعة الضوء.
في عام 1916م قدم أينشتاين نظرية الجاذبية المسماة نظرية النسبية العامة. وتربط هذه النظرية الأبعاد الثلاثة في الفضاء بالزمن باعتباره بعدًا رابعًا. وفي معظم الحالات لا تختلف نتائج تطبيق نظرية أينشتاين كثيرًا عما تؤدي إليه نظرية نيوتن. ولكن لابد من استخدام نظرية النسبية في دراسة الكون، أو دراسة الأحداث التي تتم في وجود مجالات جذب قوية جدًّا. مثال ذلك ما توقعته نظرية النسبية العامة من وجود الثقوب السوداء. فقد فسرت النظرية كيف تؤثر كتلة الثقب الأسود في الفضاء المحيط بحيث لا يستطيع حتى الضوء الهروب منها.
وتتضمن نظرية النسبية العامة أن الكون يتمدد، إلا أن أينشتاين لم يكن لديه في عام 1916م دليل من الأرصاد لتأكيد تلك الفكرة، لذلك قام بتعديل معادلاته كي تصف كونًا ثابت الحجم. وفي عام 1929م أوضح الفلكي الأمريكي إدوين باول هبل أن الكون متمدد. وبناءً على ذلك قام أينشتاين بتعديل معادلاته. وترتكز كل النظريات الحديثة في علم الكون على حلول تلك المعادلات.




تطور الفلك الراديوي. في عام 1931م قام كارل جوث جانسكي، المهندس الأمريكي في معامل بلْ، بدراسة تشويش يتداخل مع نظم الاتصالات في الموجات القصيرة. ولاحظ أن ذلك التشويش يظهر مبكرًا بمدة أربع دقائق كل يوم. كان جانسكي يعرف أن النجوم تُبَكِّر في شروقها كل يوم بمقدار أربع دقائق، وبذلك استنتج أنها لابد أن تكون قادمة من خارج المجموعة الشمسية. وقد كان جانسكي في الحقيقة يتلقى موجات راديوية من مركز مجرتنا.لم يتابع الفلكيون المحترفون اكتشاف جانسكي، إلا أن جروتي ريبر، أحد هواة الفلك الأمريكيين، صمم تلسكوبًا راديويًا وقام بتشغيله في فناء منزله في نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي. وقد بدأ علم الفلك الراديوي في الانتعاش بعد الحرب العالمية الثانية (1939م - 1945م).
وأدت دراسة الموجات الراديوية القادمة من الفضاء، إلى زيادة معلومات الفلكيين عن تركيب الكون وحجمه وتاريخه. فقد جلبت قدرًا كبيرًا من المعلومات عن سحب الغاز والغبار الموجود بين نجوم مجرتنا. وخلال الستينيات من القرن العشرين الميلادي أدى الفلكيون الراديويون دورًا مهمًا في اكتشاف الكوازارات (أشباه النجوم) والبلسارات (المنبضات الخفية). وفي عام 1965م ـ أثناء اختبار تلسكوب راديوي وجهاز استقبال ـ اكتشف الفلكيون إشعاع الخلفية الأولى الذي يعتقدون بنشأته عند بداية الكون فيما يعرف بالانفجار العظيم.
استكشاف الفضاء. بدأ في الرابع من أكتوبر من عام 1957م حيث أطلق السوفييت أول قمر صناعي. وقد أفاد تطور رحلات الفضاء علم الفلك بطرق كثيرة. فقد قام رواد الفضاء الأمريكيون بتجارب على سطح القمر، وجلبوا معهم عينات من الصخور لدراستها. واستكشفت رحلات الفضاء غير المأهولة الكواكب وبثت كمًا هائلاً من المعلومات سوف يساعد الفلكيين في الإجابة عن كثير من الاستفسارات حول كيفية نشأة المجموعة الشمسية.
ومكنت رحلات الفضاء أيضًا من رصد أجسام سماوية من خارج الغلاف الجوي الأرضي؛ وهذا الغلاف يحجز بعض الأطوال الموجية للإشعاع وقد يعوق كشف الأطوال الموجية الأخرى. وللتغلب على هذا الحجز بدأت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الستينيات من القرن العشرين الميلادي في إطلاق مراصد مدارية غير مأهولة وكذلك مراصد شمسية مدارية. وفي عامي 1973م و1974م قام رواد الفضاء الأمريكيون بإجراء أرصاد قيمة باستخدام تلسكوب على متن محطة الفضاء سكايلاب.
وقد اعتبرت الإدارة الوطنية للطيران والفضاء (ناسا) الأشعة السينية وأشعة جاما أهم اهتماماتها في السبعينيات من القرن العشرين الميلادي. وكل فوتون في الأشعة السينية أو أشعة جاما له طاقة عالية المستوى. وتسمى دراسة العمليات التي تنتج عنها فوتونات عالية الطاقة وأشعة كونية باسم الفيزياء الفلكية للطاقة العالية. وفي نهاية السبعينيات من القرن العشرين الميلادي أطلقت ناسا ثلاثة مراصد للطاقة العالية بغرض دراسة أشعة جاما والأشعة السينية والأشعة الكونية القادمة من النجوم النيوترونية والكوازارات والمستعرات الفائقة التوهج. ومن عام 1983م حتى عام 1986م قامت وكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) بأرصاد في نطاق الأشعة السينية بوساطة قمرها الصناعي إكسوسات.
وتساعد الأقمار الصناعية أيضًا في دراسة الأشعة فوق البنفسجية وتحت الحمراء. ومن عام 1972م حتى عام 1982م قام المرصد الفلكي الدوار الثالث المسمى كوبرنيكوس بدراسة ضوء النجوم والضوء القادم من فضاء ما بين النجوم. ودرست مجموعة أخرى من الأقمار الإشعاع فوق البنفسجي القادم من الشمس.
وجاء القمر الصناعي مستكشف الأشعة فوق البنفسجية الدولي، الذي أطلق عام 1978م بمعلومات عن النجوم والكواكب والكوازارات والأجسام الفلكية الأخرى. وفي عام 1983م بث القمر الصناعي الفلكي الذي يعمل بالأشعة تحت الحمراء إلى الأرض أرصاد مئات الآلاف من المصادر تحت الحمراء. وسوف تستخدم أرصاد القمر الصناعي روسات الذي أطلق عام 1990م في عمل خرائط لمصادر الأشعة السينية في الفضاء.وفي عام 1990م أطلقت ناسا تلسكوب هبل الفضائي، لدراسة الضوء المرئي وفوق البنفسجي، وهو تلسكوب عاكس قطر مرآته 240سم. ويتوقع أن يقوم تلسكوب هبل الفضائي برصد أجسام ذات خفوت أقل بـ 50 مرة عما تستطيعه التلسكوبات الأرضية، وأن يمدنا بتفاصيل أصغر 10 مرات عما نحصل عليه من على سطح الأرض. وبالرغم مما ظهر من عيب في المرآة يجعل الصورة غير كاملة الوضوح، فإن العلماء قد تمكنوا من إصلاح العيب في عام 1993م.
علم الفلك اليوم. يعد علم الفلك الحديث من أكثر العلوم ازدهارًا وإثارة. فالتلسكوبات الجديدة على الأرض والدوارة في الفضاء تتيح للفلكيين دراسة مناطق متزايدة في بعدها، وبدقة متزايدة. وتضم التلسكوبات الجديدة العديد من التلسكوبات البصرية العملاقة المقامة على ارتفاعات كبيرة في كل من أستراليا، وتشيلي، وهاواي خلال السبعينيات من القرن العشرين الميلادي. وقد افتتح عام 1978م التلسكوب متعدد المرايا المقام بالقرب من توسون في ولاية أريزونا الأمريكية؛ وهو مزود بست مرايا كل منها بقطر 1,8 م. ويقوم نظام تحكم مزود بالحاسوب بضبط المرايا لتركيز كل الضوء في نقطة واحدة. ويلزم لتلسكوب عادي يجمع كمية أكبر من الضوء مرآة قطرها 4,5م. وانتهى العمل من تلسكوب كك 1 وكك 2 في عامي 1992 و1996م على التوالي، ويبلغ طول قطر مراياهما المزدوجة 10م، وهذه المرايا تتألف من 36 مرآة صغيرة قابلة للضبط، وقد ركبا في قمة جبل ماوناكاي في هاواي، ويمكن أن يكتشفا ضوءًا يشابه في خفوته لهب شمعة تبعد عنهما بمقدار بعد القمر عن الأرض.
تم الانتهاء من إنشاء أكبر مشروع تلسكوب أمريكي عام 1980م بالقرب من سوكورو في نيومكسيكو بالولايات المتحدة الأمريكية. وهذا الجهاز الذي يدعى المنظومة الفلكية الضخمة، مكون من 27 تلسكوبًا راديويًّا كل منها بقطر 25م. وتمكن هذه المنظومة الفلكيين من عمل خرائط راديوية للسماء. وتتكون منظومة خط الأساس الطويل جدًّا من عشرة تلسكوبات راديوية منتشرة في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد انتهى العمل من هذه المنظومة في بداية التسعينيات من القرن العشرين. وبها يتمكن الفلكيون من الحصول على تفاصيل أدق عن المجرات البعيدة.
وعلم الفلك واحد من العلوم القليلة التي يمكن للهواة أن يسهموا فيها. وتوجد جمعيات فلكية في العديد من الدول. وتزود هذه الجمعيات أعضاءها بمعلومات عن علم الفلك بالنشرات وعقد الاجتماعات. وبعض الجمعيات تشجع أعضاءها على إجراء الأرصاد الفلكية. ولدى جمعيات أخرى أجهزة قابلة للإعارة أو تمتلك مرصدًا يمكن للهواة فيه استخدام التلسكوبات الكبيرة.
ويستمر التقدم في الأرصاد الفلكية في مواجهة الفلكيين النظريين بأسئلة جديدة. مثال ذلك ما يحاوله الفلكيون من الوصول إلى فهم أفضل عن العمليات التي تنتج منها الأشعة السينية وأشعة جاما التي اكتشفتها مراصد الطاقة العالية. وما زالت الخصائص الفيزيائية للثقوب السوداء والكوازارات مثار جدال. وعلماء الكونيات عاكفون على دراسة فكرة الكون المتضخم؛ أي فكرة أن الكون قد تمدد بسرعة فائقة خلال الجزء الأول من الثانية الأولى بعد الانفجار العظيم.
ويبحث الفلكيون أيضًا عن الحياة فوق كواكب أخرى. ويستخدم بعضهم تلسكوبات راديوية للتنصت على إشارات من أحياء ذكية في حضارات بعيدة.
في الأخير نختم بقول الله عز وجل ﴿ يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ﴾ و الله اعلم