بسم الله الرحمان الرحيم
في هذا الموضوع في موسوعة المبتكر نتحدث عن علم الآثار وهو من العلوم الممتعة والمشوقة محاولين قدر الإمكان أن نذكر أهم جوانبه ورغم حرص على الإختصار إلا أنه ما أمكن ذلك نظرا للجوانب الكثيرة التي لا بد من التطرق لها و شرحها.
علم الآثار:وهو الدراسة العلمية لمخلّفات الحضارة الإنسانية الماضية. ويتحرى الآثاريين حياة الشعوب القديمة، وذلك بدراسة مخلفاتها وتشمل تلك المخلفات أشياء مثل: المباني والقطع الفنية، الأدوات والعظام والخزف وغير ذلك. وقد يقوم علماء الآثار باكتشافات مثيرة، مثل اكتشاف قبر يغص بالحلي الذهبية، أو بقايا معبد فخم في وسط الأدغال. ومع ذلك فإن اكتشاف قليل من الأدوات الحجرية أو بذور من الحبوب المتفحمة ربما يزيح الستار بشكل أفضل عن جوانب كثيرة من حياة تلك الشعوب. وما يكتشفه عالم الآثار، بدءًا من الصروح الكبيرة وانتهاء بالحبوب، يساهم في رسم صورة عن معالم الحياة في المجتمعات القديمة.
إن البحث الآثاري هو السبيل الوحيد المساعد على استنطاق أوجه الحياة في المجتمعات التي وُجدت قبل اختراع الكتابة منذ خمسة آلاف عام تقريبًا. كما أن البحث الآثاري نفسه يشكِّل رافدًا مهمًا في إغناء معلوماتنا عن المجتمعات القديمة التي تركت سجلات مكتوبة. ويُعدُّ علم الآثار في القارة الأمريكية، فرعًا من الأنثروبولوجيا (علم الإنسان)؛ وهي دراسة الجنس البشري وتراثه الفكري والمادي. ويرى علماء الآثار في أوروبا أن عملهم هذا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بميدان التاريخ، غير أن علم الآثار يختلف عن علم التاريخ من جهة أن المؤرخين يدرسون بصورة رئيسية مسيرة الشعوب استنادًا إلى السجلات المكتوبة.
يتطلع علماء الآثار إلى معرفة الكيفية التي تطورت بها الحضارات، وإلى معرفة المكان والزمان اللذين حدث فيهما هذا التطور. وكذلك يبحث هؤلاء ـ شأنهم شأن دارسي العلوم الاجتماعية ـ عن أسباب التغيرات الأساسية التي جعلت الناس في العالم القديم، يتوقفون عن الصيد مثلاً ويتحولون إلى الزراعة. وبالإضافة إلى ذلك يبحث بعض علماء الآثار عن الأسباب الكامنة وراء سقوط الحضارات السابقة، كحضارة المايا في أمريكا الوسطى، وحضارة الرومان في أوروبا وغيرها من الحضارات والشعوب الغابرة.
نبذة تاريخية عن علم الآثار:
بداية تطورت فكرة دراسة الماضي من خلال المواد الأثرية القديمة تطورًا تدريجيًا، غير أن الاهتمام بهذا الموضوع من الدراسة ازداد في القرنين الماضيين. ففي القرن الثامن عشر الميلادي أخذ بعض الأثرياء الأوروبيين في دراسة وجمع القطع الفنية التي تعود إلى العصرين اليوناني والروماني القديمين، وسمي هذا الاهتمام بالفن الكلاسيكي "جمع التحف" وكان الهدف الأول والرئيسي لهؤلاء المنقبين الأوائل البحث عن الكنوز، وجعلهم هذا الهدف يُهملون كل ما يعثرون عليه من مواد أخرى.
وخلال القرن الثامن عشر الميلادي أيضًا، بدأ علماء أوروبيون في التساؤل عن عمر الكائنات البشرية فوق سطح الأرض. وجاء اهتمامهم هذا إلى حد ما نتيجة لاكتشاف أدوات حجرية بدائية وُجدت إلى جانب عظام حيوانات منقرضة. وحصل العلماء أيضًا على معلومات تتعلق بالتلال الضخمة وأطلال المدن في القارة الأمريكية، التي دلت بدورها على وجود حياة بشرية قديمة فيها. كما أدرك هؤلاء أن للبشر ماضيًا يعود إلى عصور ما قبل التاريخ، غير أنهم لم يستطيعوا تحديد متى وكيف بدأ هذا الماضي.
القرن التاسع عشر شهد توجهًا علميًا لدراسة الماضي تصديقا للاتجاه القائل بقدم وعمق حقب ما قبل التاريخ، نتيجة التقدم الذي شهدته دراسات الجيولوجيا وعلم الأحياء. ومع بداية القرن حدد الجيولوجيون أن تكوينات الصخور قد تمت عبر عملية بطيئة مثل التعرية والنشاطات البركانية. وقد قادت الفكرة التي تعرف بالاتساقية معظم العلماء إلى الاعتقاد أن عمر الأرض أكبر مما كان يُعتقد.
وبمنتصف القرن التاسع عشر الميلادي أصبح علم الآثار ميدانًا مستقلاً من ميادين الدراسة. وأخذت الأدلة حول إنسان ما قبل التاريخ تتجمع بسرعة متزايدة ومن الاكتشافات المهمة التي تعود إلى عصر ما قبل التاريخ، اكتشاف مواقع للسكن فوق بحيرة في سويسرا، ورسومات كهوف قديمة في فرنسا وإسبانيا، وجزء من جمجمة بشرية وُجدت في ألمانيا. وفي أواخر القرن التاسع عشر بدأ الآثاريون في استخدام طرق فنية في التنقيب، بحيث جعلت بالإمكان تحديد تسلسل التطور الحضاري. وأصبح العالم البريطاني فلندرز بيتري نتيجة عملية التنقيب التي قام بها في نقادة قرب قوص بمصر واحدًا من الرواد الذين قاموا بالتنقيب بحثًا عن كل البقايا وليس عن الكنوز فقط.
وكان من بين الذين قاموا بعمليات التنقيب في ذلك الوقت الدبلوماسي البريطاني أوستن هنري ليارد، الذي قام بالتنقيب في مدينة نينوى المعروفة في العراق. وكذلك رجل الأعمال الألماني هنريش شليمان، الذي قام بالتنقيب في طروادة الواقعة في تركيا.
وركَّز آثاريو القرن التاسع عشر دراستهم على الحضارة الأوروبية القديمة وحضارات الشرق الأوسط التي وصفها الكتاب الكلاسيكيون وكتاب العهد القديم، ولكنَّ الآثاريين الأمريكيين لم يعثروا على أية وثائق مكتوبة عن الحضارات التي درسوها. ولذلك فقد تحولوا تحولاً جزئيًا لدراسة الأنثروبولوجيا بغية الحصول على طرق لتفسير مكتشفاتهم فدرسوا مثلاً الأشياء التي كان معاصروهم من الهنود الأمريكيين يصنعونها، وذلك لمساعدتهم في تفسير وفهم الأحافير التي كانت المجتمعات القديمة تصنعها.
القرن العشرون. توسع ميدان علم الآثار توسعًا كبيرًا جدًا. فقد جعل اكتشاف هوارد كارتر قبر توت عنخ آمون سنة 1922م دراسة" الآثار المصرية القديمة "محط اهتمام عام غير أن علماء الآثار بدأوا أيضًا باكتشاف حضارات قديمة في أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى والصين واليابان وجنوب شرقي آسيا وغيرها من المناطق.
في عام 1921م كشف عالم الآثار السير جون مارشال، المسؤول عن مسح الآثار الهندية عن وجود مدينة هارابا القديمة في باكستان الحالية. وفي السنة التالية نقّب في موقع مجاور لها وكشف عن وجود مدينة أكبر منها كثيرًا وهي موهنجودارو، المستوطنة الرئيسية لحضارة وادي السند القديمة، وبهذه الاكتشافات أمكن إرجاع بداية التاريخ المعلوم لشبه القارة الهندية لنحو 3500 ق.م.
في أوائل القرن العشرين، استخدم علماء الآثار" التتابع الطبقي والتتابع الطرزي" لتأريخ معثوراتهم. وخلال منتصف القرن العشرين الميلادي ساعدت التقنيات الحديثة على تأريخ المعثورات بطرق أكثر دقة وسهولة. وأبرز هذه التقنيات هو التأريخ بالكربون المشع، الذي طوره خلال الأربعينيات من القرن العشرين الكيميائي الأمريكي ويلارد ليبي.
وبمنتصف القرن العشرين حدث تطور كبير في ميدان إنقاذ الآثار تحت الماء. ففي السابق كان التنقيب تحت الماء صعبًا ومكلفًا، ومكّن اختراع جهاز التنفس وأجهزة الغطس الأخرى الغطاسين من التحرك بحرية أكثر عند حمل معدات البحث الأثري تحت الماء.
التطورات الحديثة منذ الخمسينيات من القرن العشرين، أصبح الهدف الأول لعلماء الآثار الوصول إلى نظريات عامة لشرح التغيرات في المجتمعات البشرية التي يكشف عنها الدليل الآثاري
وقد طوّر علماء الآثار المعاصرون أيضًا تقنيات أبحاث جديدة وباتوا يستخدمون طرق أخذ العينات استنادًا إلى مبادئ علم الإحصاء والاحتمالات. فعبر هذه الطرق يمكن دراسة الموقع بسرعة دون الحاجة إلى عمليات تنقيب مكثفة. وقد ساعدت طرق علمية جديدة أيضًا على تسهيل اكتشاف مواقع تحت الماء. فمثلاً، صار بمقدور علماء الآثار تحديد مواضع الآثار المدفونة باستخدام جهاز القوة المغنطيسية لقياس أي اختلال طفيف في الحقل المغنطيسي للأرض. وقادت هذه الطريقة إلى اكتشاف مدينة قديمة مطمورة بعمق 6,4 م تحت الأرض في إيطاليا.
ومن بين الاهتمامات الرئيسية لعلماء الآثار في يومنا هذا مسألة حماية المواقع الأثرية التي لم تُدرس بعد، إذ إن كثيرًا من هذه المواقع مهدد بمشروعات البناء أو بالتوسع الزراعي أو بأشكال أخرى من مشروعات التنمية. وقد استصدرت بلاد كثيرة قوانين تهدف إلى تحديد الأماكن التي قد تكون ذات أهمية تاريخية وإلى حمايتها. ويسعى علماء الآثار على الصعيد الدولي إلى وقف عمليات البيع غير القانونية للمعثورات والقطع الأثرية. كما أنهم يعملون على حث الدول المتطورة على سن وفرض قوانين، تحرِّم استيراد الآثار بلا شهادات تصدير خاصة، يتم الحصول عليها من بلاد المنشأ. وهم يسعون أيضًا للحد من نشاطات صيادي الكنوز الذين يقومون بتخريب المواقع الأثرية وإتلافها.
تواريخ مهمة في علم الآثار:
1797م
|
كشف عالم الآثار البريطاني جون فرير أدوات صوانية في
هكسن ـ بإنجلترا، وأعلن
أنها
تعود إلى فترة ما قبل العالم المعاصر.
|
1853-1854م
|
كشفت فترة جفاف عن قرى بحيرة سويسرية يعود تاريخها على
الأقل إلى نحو 000,5
سنة.
|
1870م
|
بدأ رجل الأعمال الألماني هنريش شليمان بعمليات تنقيب
عن الآثار في موقع طروادة
الواقعة
في تركيا.
|
1879م
|
كشف عن وجود رسوم جدارية لما قبل التاريخ بكهف في
ألتاميرا بأسبانيا.
|
1894م
|
كشف فليندرز بيتري البريطاني عن المقبرة الملكية في
نقادة الواقعة قرب قوص
بمصر.
|
1900م
|
بدأ عالم الآثار البريطاني السير آرثر إيفانز تنقيب
مدينة كنوسوس، عاصمة
الحضارة
المينوية في كريت.
|
1922م
|
أثار هوارد كارتر البريطاني اهتمامًا عالميًا بعلم
الآثار حينما كشف قبر الملك توت عنخ آمون في مصر.
|
1925م
|
أثبت الكشف عن نصال صوانية في فُلْسُم بنيو مكسيكو
بالولايات المتحدة أن
الإنسان
كان يعيش في أمريكا الشمالية منذ آلاف السنين.
|
1939م
|
اكتشف بازل براون البريطاني بقايا سفينة تضم كنز أنجلو
ـ سكسوني في ستن هو قرب
إبسويتش
بإنجلترا.
|
1952م
|
قادت الآثارية البريطانية السيدة كاثلين كينيون طومسون
بعثة أثارية في أريحا
بفلسطين
أثبتت أنه كان بها أحد أقدم المواقع الاستيطانية في العالم.
|
1964-1975م
|
كشفت عمليات الاستكشاف الأثري في إيبلا ـ الواقعة قرب
مدينة حلب السورية ـ عن
وجود
مملكة قديمة، ازدهرت وكانت مركزًا تجاريًا وثقافيًا قبل نحو سنة 2400 ق.م.
|
1982م
|
انتشل علماء الآثار البريطانيون السفينة الحربية ماري روز التي بنيت عام 1500م من قاع البحر
على الساحل الجنوبي لإنجلترا.
|
1977-1985
|
كشفت الحفريات التي قام بها تومس د.ديليهي في مونت
فيرد بتشيلي عن أول استيطان في العالم الجديد قبل نحو 12,000 سنة
|
1991م
|
اكتشف بعض متسلقي جبال الألب جثة مجمدة سليمة لرجل عاش
قبل 5,000 سنة وأطلق عليه اسم أوتز. فتح هذا الاكتشاف الذي تم بالمصادفة آفاقا
جديدة للآثاريين لتعرف
الحقبة
التي سبقت العصر البرونزي.
|
2003م
|
تعرضت المتاحف العراقية وبخاصة متاحف بغداد لعمليات
واسعة من السلب والنهب بعد غزو الولايات المتحدة و
المملكة المتحدة لدولة العراق.
|
ماذا يدرس علماء الآثار:
الآثاريون ينقبون عن آثار حضارات إنسانية غابرة ويبحثون كالمحققين الأمنيين. ويعدون الأشياء التي يعثرون عليها شواهد على حياة مستخدميها. وقد تم الكشف عن قطع تعود لآلاف السنين ويدرسون أي دليل يمكن أن يساعدهم على فهم حياة الناس الذين عاشوا في الأزمنة القديمة. وتتراوح الأدلة الأثرية بين بقايا مدينة كبيرة، وقلة من فلَق (قطع) الحجارة، التي تركها أحد الذين كانوا يصنعون الأدوات الحجرية منذ أزمان بعيدة والأنواع الثلاثة الأساسية للدليل الأثري هي: الاثار المصنوعة، الظواهر، الاثار الطبيعية.
أما بالنسبة إلى الآثار المصنوعة، فهي تلك المواد التي صنعها الإنسان ويمكن أن تنقل من مكان إلى آخر دون إحداث تغيير على مظهرها، وهي تشتمل على مواد مثل النّصال والقدور والخرز. كما يمكن أن تشتمل ـ بالنسبة إلى مجتمع ذي تاريخ مكتوب ـ على الألواح الطينية وعلى سجلات أخرى مكتوبة. أما الظواهر فتتألف بصورة رئيسية، من البيوت والمقابر وقنوات الري، ومنشآت عديدة أخرى، قامت ببنائها الشعوب القديمة. وخلافًا للأدوات، فإنه لا يمكن فصل الظواهر عن محيطها، دون أن يحدث تغيير في شكلها. أما الآثار الطبيعية فهي المواد الطبيعية التي توجد جنبًا إلى جنب مع الأدوات والظواهر. وتكشف هذه الآثار طريقة تفاعل الناس في العصور القديمة مع محيطهم. وتشتمل الآثار الطبيعية مثلا على البذور وعظام الحيوانات.
ويُطلق على المكان الذي يضم الدليل الأثري اسم "الموقع الأثري". ولفهم سلوك الناس الذين شغلوا موقعًا أثريًا، لابدّ من دراسة العلاقات بين الأدوات المصنوعة والظواهر والآثار الطبيعية التي اكتشفت في ذلك الموقع الأثري. فمثلاً اكتشاف رؤوس رماح حجرية قرب عظام نوع من الجواميس المنقرضة في موقع ما في ولاية نيو مكسيكو، يبين أن تلك الجماعات البشرية كانت تصطاد الجواميس في تلك المنطقة.
كيف يجمع علماء الآثار المعلومات:
يستخدم علماء الآثار تقنيات ووسائل خاصة لجمع الدليل الآثاري جمعًا دقيقًا ومنهجيًا، ويحتفظون بسجلات تفصيلية عن المعثورات الأثرية لأن التَّنقيب الآثاري المفصل يتلف البقايا الأثرية في موضع البحث.
تحديد الموقع: تحديد الموقع الأثري هو الخطوة الأولى التي يجب على عالم الآثار القيام بها، وربما تكون المواقع الأثرية موجودة فوق سطح الأرض، كما قد تكون تحت سطح الأرض، أو تحت الماء. وتشتمل المواقع الموجودة تحت الماء على سفن غارقة أو مدن بأكملها غمرتها المياه نتيجة تغيرات طرأت على سطح الأرض أو على مستوى الماء.
وقد يتم تحديد بعض المواقع الأثرية بسهولة، لأنها تُشاهَد بالعين المجردة، أو يمكن تعقب أثرها من خلال الأوصاف التي وردت عنها في القصص القديمة أو السجلات التاريخية الأخرى، وتشمل مثل هذه المواقع الأهرامات في مصر، ومدينة أثينا القديمة في اليونان، وهناك مواقع أثرية أقل وضوحًا اكتشفها بمحض الصدفة أناس غير آثاريين، فمثلاً اكتشف أربعة أطفال سنة 1940م كهف "لاسو"، في الجنوب الغربي من فرنسا، وذلك أثناء بحثهم عن كلبهم، ووُجدت في هذا الكهف رسوم جدارية تعود إلى ما قبل التاريخ.
وقام علماء الآثار بالعديد من الاكتشافات المهمة، وبحثوا دون كلل وعلى امتداد سنوات طويلة، عن موقع معين أو نوع ما من المواقع، بهذه الطريقة اكتشف عالم الآثار الإنجليزي هوارد كارتر عام 1922م القبر المليء بالكنوز الذي يخص الملك المصري القديم توت عنخ آمون.
ويتَّبع علماء الآثار طرقًا علمية للمساعدة على كشف المواقع الأثرية الموجودة تحت السطح. مثل التصوير الجوي وتستخدم كواشف معدنية لمعرفة ما إذا كانت هناك أدوات معدنية، سبق أن دُفنت في الأرض على عمق لا يزيد على 180سم.
مسح الموقع: أول مرحلة من مراحل الدراسة لموقع ما هي وصف هذا الموقع. فتسجل ملاحظات تفصيلية حول مكان الموقع، ونوع الدليل الآثاري الشاخص على سطحه مع التقاط صور لهذا الموقع.
ويقوم الآثاريون برسم خرائط لمعظم المواقع الأثرية التي يتم اكتشافها. ويعتمد نوع الخريطة المرسومة على أهمية الموقع وأهداف الدراسة ومقدار الوقت والمال المتوافرين. ويَعْمد هؤلاء في بعض الأحيان إلى رسم خرائط مبسطة بعد أن تتم عملية قياس الأبعاد. وتستخدم في حالات أخرى أدوات خاصة لمسح الموقع الأثري بعناية ولرسم خرائط تفصيلية له.
وبعد رسم الخريطة يجمع العلماء بعض الملتقطات الموجودة على سطح الموقع الأثري. ثم يقومون بتقسيم السطح إلى مربعات صغيرة، ودراسة كل مربع على حدة. وبعد ذلك يسجلون على الخريطة المواضع التي وجدت فيها الأدوات. ويمكن أن تُقدِّم لنا أماكن الملتقَطات السطحية معلومات عن زمان وكيفية استخدام الموقع.
تنقيب الموقع: ينقب الآثاريون بحذر بحثًا عن المواد المدفونة في عملية تدعى "بالتنقيب الآثاري"، وتعتمد طريقة التنقيب الآثاري جزئيًا على نوع الموقع، فمثلاً يمكن للآثاريين الذين يعملون في كهف، أن يُقسِّموا أرضية الكهف والبقعة الموجودة أمامه إلى وحدات على شكل مربعات صغيرة ومن ثم ينقبون في كل وحدة على انفراد. وقد يحفر الآثاريون، الذين يعملون في رصيف معبد، خندقًا أمام الرصيف، ومن ثم يمدون الخندق نحو الأرض المجاورة للرصيف. وفي المواقع الكبيرة يمكن حصر التنقيب في أجزاء معينة من الموقع، كما أن هناك اعتبارات أخرى تقرر في الأغلب منهج التنقيب الآثاري، مثل المناخ وتربة الموقع.
وتتباين الأدوات التي تستخدم في الحفريات بين الجرَّارات والآليات الثقيلة الأخرى والمحافير الصغيرة والفُرش. وفي بعض الحالات يقوم الآثاري بغربلة التربة بغربال سلك للحصول على المعثورات الصغيرة. وفي حالات أخرى يقوم بتحليل التربة في المختبر، لاكتشاف البذور وحبوب اللقاح أو أية تحولات كيميائية، نتجت عن المخلفات البشرية.
العمل تحت الماء: يستخدم الآثاريون الذين يعملون تحت الماء طرقًا عديدة، تم اقتباسها من علم الآثار الأرضي، وقد يكشف التصوير الجوي فوق مياه صافية المعالم الرئيسية لموانئ أو مدن مغمورة، ويساعد استخدام المسح السوناري الذي يعتمد على الموجات الصوتية على كشف المواد المغمورة تحت الماء، ويستخدم الغواصون أيضًا أجهزة كشف معدنية خاصة بكشف المواد المعدنية، ويمكن رسم الخرائط التصويرية للمواقع من الغواصات أو من قِبل الغواصين الذين يحملون آلات للتصوير تحت الماء، ويعمل الآثاريون في مواقع تحت الماء، وهم داخل حجرات عازلة للضغط، وصالحة للعمل تحت الماء. وترفع المعثورات الكبيرة إلى سطح الأرض بغية دراستها بصورة أوسع ودقة أكثر.
تسجيل الدليل الآثاري والاحتفاظ به: يقوم علماء الآثار بوصف وتصوير وإحصاء المعثورات التي يجدونها. ثم يقومون بتصنيفها إلى مجموعات وفقًا لأنواعها ومواقعها، ثم تنقل إلى المختبر الميداني، لتنظف وتدوَّن عليها المعلومات الخاصة بالوحدة والطبقة التي جاءت منها.
ويجب أن تبذل عناية فائقة في المختبر الميداني للمحافظة على الأشياء المصنوعة من مواد كالمعدن والخشب. فمثلاً يجب إزالة الصدأ عن الأشياء المعدنية دون أن يؤدي ذلك إلى أي تخريب في سطحها. أما المواد الخشبية المشبعة بالماء، فقد تتشقق أو تفقد شكلها عندما تتعرض للهواء لذلك يجب الاحتفاظ بها رطبة إلى حين ان يتمكن الاختصاصيون الذين يطلق عليهم "المرممون" من صيانتها.
كيف يفسر علماء الآثار المعثورات الأثرية:
يتبع الآثاريون ثلاث خطوات أساسية في تفسير الدليل الذي يعثرون عليه وهي:1-التصنيف، 2-التأريخ، 3-الدراسة والتحليل.
1-التصنيف: يمكن لعلماء الآثار تفسير المعثورات الأثرية إذا ما استطاعوا معرفة أنماط انتشار الأدوات زمانًا ومكانًا. وللوصول إلى هذه الأنماط يجب عليهم أولاً تصنيف الأدوات في مجموعات تحوي كل مجموعة معثورات متشابهة والنظامان الأساسيان للتصنيف هما: النوعي والتتابعي.
التصنيف النوعي: تصنف المواد ضمن مجموعات حسب أشكالها، وطرق صنعها، ووظائفها. وتدعى كل مجموعة من هذه المعثورات نوعًا. فمثلاً تُمثِّل جميع القدور الخزفية المتشابهة التي يعثر عليها في موقع واحد نوعًا واحدًا، في حين تُمثِّل قدور أخرى متشابهة من موقع آخر نوعًا آخر.
التصنيف التتابعي (التتابع الطرزي): ترتب المواد ذات النوع الواحد كلها في سلسلة تعكس التغيرات في الطراز. وهذه التغيرات إما أن تكون قد حصلت تدريجيًا مع مرور الزمن، أو نتيجة انتشار حضارة منطقة في مناطق أخرى. وفي حالات كثيرة يجب معرفة عمر المواد لتحديد المادة الأولى والأخيرة في السلسلة.
2-التأريخ: لعلماء الآثار طرق مختلفة لتحديد أعمار المعثورات القديمة ويمكن تقسيم هذه الطرق إلى نوعين أساسيين هما: التأريخ النسبي و التأريخ المطلق.
التأريخ النسبي: محاولة معرفة قِدم بعض المعثورات بالنسبة لبعضها الآخر. ولهذا فإن طريقة التأريخ النسبي تقدم مقارنات ولا تقدم تواريخ حقيقية. فمثلاً يستطيع علماء الآثار تحديد الأعمار النسبية للعظام التي يعثرون عليها في موقع ما، من خلال قياسهم لما تحتويه هذه العظام من الفلور، ذلك لأن الفلور في المياه الجوفية يحل محل عناصر أخرى في العظام ويزداد بمرور الزمن. وبالتالي فإن العظام الأقدم عمرًا هي تلك التي تحتوي على كمية أكثر من الفلور.
التأريخ المطلق: يحدد عمر المعثور بالسنوات. وهناك طرق عديدة للتأريخ المطلق والطريقة التي تستخدم في كل حالة ترتكز بصورة رئيسية على نوعية المادة التي يحدد تأريخها.
والطريقة الأوسع استخدامًا لتحديد تأريخ بقايا النباتات القديمة أو الحيوانات أو الكائنات البشرية هي" التأريخ بالكربون المشع" وتعتمد هذه الطريقة على حقيقة مفادها أن الكائنات الحية كلها تمتص باستمرار نوعين من ذرات الكربون، وهما الكربون 12 والكربون 14. وتسمى ذرات الكربون 14 أيضًا بالكربون المشع، وهي ذرات غير مستقرة وتتحول إلى ذرات نيتروجينية. ولذلك فعندما يموت كائن ما فإن نسبة الكربون 14 إلى الكربون 12 تتناقص بدرجة معينة لتصل إلى نسبة معروفة. ونتيجة لهذا يستطيع علماء الآثار حساب عمر عينة ما عن طريق قياس كميات الكربون 12 والكربون 14 المتبقية فيه. وتعد الطريقة التقليدية المتبعة في قياس الأعمار دقيقة لحساب أعمار الكائنات التي تعود إلى 50000 سنة. أما التقنية الأحدث التي تستخدم الجهاز الذي يُعرف "بمعجل الجسيمات" فهي تعد طريقة دقيقة لحساب أعمار الكائنات التي يصل عمرها إلى 60000 سنة. وهذا ينطبق أيضًا حتى على أصغر العينات.
يستخدم علماء الآثار تأريخ الأرجون ـ بوتاسيوم لإيجاد أعمار تكونات صخرية معينة تحوي مواد أثرية. وتحتوي هذه الصخور على البوتاسيوم 40 المشع، الذي يتحول إلى غاز الأرجون 40 بنسبة ثابتة. ويقوم العلماء بقياس كمية كل عنصر موجود ثم احتساب عمر الصخرة. وقد استخدمت هذه الطريقة لتأريخ تكونات صخرية وعظام وأدوات وُجدت بشرقي إفريقيا. وقد وُجِدَ أن عمر الصخرة حوالي مليون وثلاثة أرباع المليون سنة مما يشير إلى أن العظام والأدوات أيضًا من العمر نفسه.
3-الدراسة والتحليل: يقوم علماء الآثار بدراسة الأدوات والظواهر وتحليلها بغية الحصول على المعلومات مثل: كيف صنعت الأدوات وأين استخدمت، وفي بعض الأحيان يحصل العلماء على معلومات من خلال التجربة المباشرة. ففي أواسط الثمانينيات من القرن العشرين قام آثاريون من كمبردج بإنجلترا بإعادة بناء سفينة إغريقية كلاسيكية وتسمى تريريم وأبحروا بها. وبهذه الطريقة تعلموا الكثير عن صناعة السفن الإغريقية وفن الملاحة في العصور القديمة. وتساعد الأدوات والظواهر على تفسير الحياة الاجتماعية التي كانت قائمة في الأزمنة القديمة. فحجم البيوت يمكن أن يبين عدد الناس الذين كانوا يعيشون في بيت واحد. وتدل كمية الأحافير التي يُعثر عليها في أحد القبور وقيمتها على الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الشخص المدفون.
أما تقويم المعثورات الطبيعية، فيكشف عن معلومات، مثل نوع الطعام الذي كان الناس يتناولونه وما إذا كانوا ينتجون المحاصيل أو يجمعون النباتات البرية. ويمكن للمعثورات الطبيعية أن تكشف أنماط الهجرات القديمة. فوجود بذرة من الحبوب غريبة عن المنطقة مثلاً، يمكن أن يكشف عن كيفية وتاريخ انتقال المواد من مكان إلى آخر.
وقد يقوِّم الآثاريون الدليل الأثري بمساعدة متخصصين في حقول أخرى. فعلماء الحيوان يساعدون في التعرف على عظام الحيوانات، وطرق الذبح التي كانت سائدة. كما يقوم علماء النبات بتحليل البذور، ليحصلوا على معلومات حول النشاطات الزراعية القديمة. ويعمل مع الآثاريين أيضًا متخصصون آخرون مثل الجيولوجيين والمعماريين والمهندسين. ويعمد المتخصصون ايضا إلى أجهزة الحاسوب التي تيسّر عملية التقويم وتعجّل بها إلى حد كبير.