بسم الله الرحمان الرحيم,
ليس هناك أبلغ من وصف ابنته سفّانة التي أطلق الرسول «صلى الله عليه وسلم» سراحها، إكراماً له، عندما تم أسرها بعد غزو المسلمين لبلادها التي تقع عند جبلي أجأ وسلمى (منطقة حائل حالياً.. في تلك المنطقة كانت مضارب قبيلة طي)...
ولعل ما قالته سفّانة بنت حاتم الطائي للرسول خير ما يمكن أن يلخص حياة ذلك الرجل العظيم
" يا محمد.. إن رأيت أن تخلّي عني فلا تشمّت بي أحياء العرب.. فإني ابنة سيد قومي، وإن أبي كان يفكُّ العاني ويحمي الذمار ويقري الضيف ويشبع الجائع ويفرّج المكروب ويفشي السلام ويطعم الطعام ولم يرد طالب حاجة قط.." أنا ابنة حاتم الطائي.فقال لها النبي «صلى الله عليه وسلم»: هذه صفة المؤمن حقاً.. لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه.. خلوّا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق.. والله يحب مكارم الأخلاق". وقول رسول الله«صلى الله عليه وسلم» "لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه" يثبت أن حاتم الطائي مات مشركاً ولم يسلم و الله أعلم.
[ ذكر هذه القصة ابن هشام في سيرته ، والطبري في تاريخه ]
حاتم الطائي:
حاتم الطائي هو احد شعراء الجاهليه وله ديوان شعري واحد وواحد من اشهر الفرسان فهو من اهل نجد من قبيلة طيء ذهب الى الشام فتزوج ماوية بنت حجر الغسانية ، ويعد مضرب المثل في الجود والكرم ، ويكنى أبا سفانة وأبا عدي .
مولده ونشأته:
من شعر حاتم الطائي:
هو حاتم بن عبدالله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم بن أبي أخزم الطائي.. وكان يكنى بأبي عدي وأبي سفّانة وعدي هو ابنه.. وسفانة هي ابنته وقد أدركا الإسلام وأسلما.
تاريخ ميلاده يرجع إلى حوالي 46 قبل الهجرة.. وهذا التاريخ مجرد تاريخ استنتاجي.. ووضع بناء على روايات أكدت أنه كان في شبابه على علاقة ومعرفة بشعراء مثل عبيد بن الأبرص والنابغة الذبياني والحطيئة وغيرهم.
توفي حاتم الطائي عام 605 ميلادية ولم يدرك الإسلام.. وتشير بعض الدراسات إلى أن حاتم الطائم كان يعتنق المسيحية.. وتؤكد بعض القصائد التي بقيت من شعره أنه كان يؤمن بالله الواحد والرحمن.. ومن هذه الأبيات:
كُلوا اليومَ مِن رزقِ الإلهِ وأيْسِرُوا فإنَّ على الرحمنِ رِزقكُمُ غَدا
قبر حاتم الطائي |
سخاء وكرم وجود متوارث:
بقاقا من قصور و مسكن حاتم الطائي |
تذكر المراجع أن أمه عنبة أو عتبة أو غنية بنت عفيف كانت من أكثر الناس سخاءً وجوداً.. ولعلها هي التي أورثت ابنها حاتماً صفات وسجايا الجود.. وحتى الشعر.. فلقد كانت شاعرة أيضاً .
ولعل عامل الوراثة هذا لم يكن بين حاتم وأمه فقط بل امتد منه إلى ابنته سفّانة التي سبق لنا ذكرها. فقد ذكر ابن الكلبي أن أباها كان يعطيها مجموعة من إبله فتهبها كلها وتجود بها على الناس.. وفي ذات يوم.
ولم يكن حاتم كريماً في عطاء يده فحسب.. بل تجسد كرمه في سلوكه وأخلاقه فهو عفيف طاهر، يدعو إلى مكارم الأخلاق. وحتى عندما يفتخر بنفسه فإنه يركز على هذه المعاني.. لا على جبروته وقوته وحدة سيفه وقوة بأسه.
قصص حاتم الطائي:
ذكرت الكثير من القصص عن حاتم الطائي تدل على الكرم والسخاء نذكر منها
- في إحدى الروايات.. مرّ عليه ذات ليلة كل من الشاعر عبيد وبشر بن أبي خازم والنابغة فنحر لهم ثلاثة من إبله وهو يجهل من هم.. وعندما عرفهم أعطاهم كل الإبل ولم يبق لديه إلا جاريته وفرسه.ثم أنّ أبا حاتم سمع بما فعل فتاه فقال: أين الإبل ّ؟، فقال له حاتم: "يا أبت طوقتك بها طوق الحمامة مجد أدهر وكرماً"، فقال أباه: "أبابلي فعلت ذلك؟"، فقال: نعم، قال: "والله لا أساكنك أبدا"، فخرج أبوه بأهله وترك حاتم معه جاريته الفارسية
- وعن الوضاح بن معبد الطائي قال: وفد حاتم الطائي على النعمان بن المنذر فأكرمه وأدناه، ثم زوده عند انصرافه جملين ذهباً، وورقاً غير ما أعطاه من طرائف بلده فرحل، فلما أشرف على أهله تلقته أعاريب طيء، فقالت: يا حاتم أتيت من عند الملك وأتينا من عند أهالينا بالفقر! فقال حاتم: هلم فخذوا ما بين يدي فتوزعوه، فوثبوا إلى ما بين يديه من حباء النعمان فاقتسموه.
فخرجت إلى حاتم طريفة جاريته فقالت له: اتق الله وأبق ِعلى نفسك، فما يدع هؤلاء ديناراً ولا درهماً ولا شاة ولا بعيراً. فأنشأ يقول:
قالت طريفة ما تبقي دراهمنا * وما بنا سرف فيها ولا خرق
إن يفن ما عندنا فالله يرزقنا * ممن سوانا ولسنا نحن نرتزق
ما يألف الدرهم الكاري خِرقَتَنا * إلا يمر عليها ثم ينطلق
إنا إذا اجتمعت يوماً دراهمنا * ظلت إلى سبل المعروف تستبق
- وقال أبو بكر ابن عياش: قيل لحاتم هل في العرب أجود منك؟ فقال: كل العرب أجود مني. ثم أنشأ يحدث قال: نزلت على غلام من العرب يتيم ذات ليلة، وكانت له مائة من الغنم، فذبح لي شاة منها وأتاني بها، فلما قرّب إليّ دماغها قلت: ما أطيب هذا الدماغ!
قال: فذهب فلم يزل يأتيني منه حتى قلت: قد اكتفيت، فلما أصبحت إذا هو قد ذبح المائة شاة وبقي لا شيء له؟ فقيل: فما صنعت به؟ فقال: ومتى أبلغ شكره ولو صنعت به كل شيء. قال: على كل حال فقال أعطيته مائة ناقة من خيار إبلي.
له ديوان واحد من الشعر الذي اشتهر بالبلاغة ومن أشهر أشعاره التي خاطب بها امرأته ماوية.
إذا ما بت أشرب فوق ري * لسكر في الشراب فلا رويت
إذا ما بت أختل عرس جاري * ليخفيني الظلام فلا خفيت
أأفضح جارتي وأخون جاري * فلا والله أفعل ما حييت
كريــــمٌ لا أبيـــــتُ الليـــــلَ جــــادٍ * أُعــــدِّدُ بالأنامـــــــــلِ ما رزيــــــتُ
إذا مـا بِــــتُّ أشــــــربُ فــــوقَ ريّ * لِسُـــكر فــي الشــــرابِ، فلا رويــتُ
إذا مـا بِـــتُّ أختـــلُ عــرسَ جـــاري * ليخفينــي الظــــلام، فـــلا خفـيــت
أأفضــح جارتـــي، وأخـــونُ جـــاري * مَعـــاذَ اللـــه أفعَـــــلُ مَا حَيِيـــت
أَماويَّ! قَدـْ طــال التجنــبُ والهَجــْرُ وقـد عَذَرَتْنـي فـي طِلابكــم العُــذْرُ
أَمـــاويَّ! إن المـــالَ غــــادٍ ورائـــحٌ ويبقى من المـالِ الأحاديـثُ والذّكـرُ
أَمـــاويَّ! إنــي لا أقــــولُ لســــائلٍ إذا ما جـاء يومـاً، حَلّ فـي مالِنــا نَزْرُ
أَمــاويَّ! إن يصبــح صــداي بقفــرَة مِـن الأرضِ، لا مـاءٌ هنــاكَ ولا خمــرُ
تَـرَيْ أنّ ما أهلكْـتُ لَـمْ يَـكُ ضَرّنــي وَأنَّ يَـدي ممّـــا بخلْـــتُ بــهِ صِفْـــرُ